
عادةً ما يلتقي الطبيب الشاب محمود فطين أصدقاءه في أحد مقاهي وسط القاهرة يوم الجمعة، يجلسون لساعات يتبادلون الحديث في موضوعات عدة، من ضمنها الأحداث السياسية الأبرز التي تمر بها بلادهم والمنطقة، لكن لم يتطرق أي من هذه الأحاديث إلى انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، التي تُجرى في مصر يومي 4 و5 أغسطس (آب) المقبل.
يقول فطين لـ«الشرق الأوسط»، «انتخابات الشيوخ بعيدة عن اهتمام الناس»، مرجعاً ذلك إلى «دور المجلس الاستشاري، وغياب المفاجآت فيه». وأوضح الطبيب، الذي سبق أن قدّم نقداً لثورة 25 يناير (كانون الثاني) في كتاب بعنوان «أشباح يناير» صدر عام 2024، أن «انتخابات الشيوخ تفتقد المنافسة التي تستدعي الانتباه وتثير الحديث».
ويتكوّن مجلس الشيوخ من 300 عضو، ثلثهم يجري تعيينهم عبر رئيس الجمهورية، في حين يُنتخب الثلثان وفق نظام مختلط يجمع «الفردي» و«القائمة المغلقة المطلقة».
وضَمن 100 عضو مرشح الفوز وفق نظام «القائمة المطلقة»، إذ لم تتقدم سوى قائمة واحدة لخوض الانتخابات، وهي «القائمة الوطنية الموحدة»، وهو ما وصفه الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، بأننا «أمام انتخابات تقلص الاهتمام فيها للثلث فقط».
وتضم «القائمة الوطنية الموحدة»، 13 حزباً، غالبيتها داعمة للحكومة بزعامة «مستقبل وطن» (صاحب الأغلبية البرلمانية)، و«حماة وطن» و«الجبهة الوطنية»، بالإضافة إلى تمثيل محدود لأحزاب معارضة، مثل «المصري الديمقراطي» و«الإصلاح والتنمية».
ومن المقرر أن تُعلن الهيئة الوطنية للانتخابات، يوم الجمعة 18 يوليو (تموز) الحالي، القائمة النهائية للمرشحين في انتخابات مجلس الشيوخ، إيذاناً ببدء فترة الدعاية الانتخابية، التي تستمر حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً من اليوم السابق للتصويت.
لماذا الاهتمام متراجع؟
في منزل نهال نبيل (31 عاماً)، وهي مترجمة، تقطن في منطقة مصر الجديدة (شرق القاهرة)، غاب الحديث عن انتخابات مجلس الشيوخ أيضاً بين أحاديث العائلة التي لا تنقطع فيها «المناقشات حول الشأن العام والأدب وغيرهما من الموضوعات». تقول نهال لـ«الشرق الأوسط» إنها علمت بالصدفة أن انتخابات الشيوخ تقترب.
ويرجع محللون سياسيون «تراجع زخم انتخابات الشيوخ إلى أسباب تتعلق بالمجلس ذاته، وأخرى بطبيعة الانتخابات وطريقتها، وثالثة بالمواطن وظروفه الاقتصادية».
يقول هاشم ربيع، لـ«الشرق الأوسط»، إن مجلس الشيوخ دوره استشاري «محدود الصلاحيات؛ لذا لا يلقى انتخاب أعضائه زخماً في الشارع».
ويتفق معه أستاذ علم الاجتماع السياسي، سعيد صادق، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إنه «على عكس مجلس النواب الذي يعود تاريخه إلى عام 1866، فإن مجلس الشيوخ حديث نسبياً، أدخله الرئيس السادات في أواخر أيامه، وأُلغي في دستور عام 2014، ثم أعيد مرة أخرى تحت اسم مجلس الشيوخ بدلاً من مجلس الشورى القديم».
وأشار صادق «لطالما نُظر إليه على أنه ليس مؤثراً»، هو ما كرره أيضاً نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، عماد جاد، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «الرئيس يختار ثلث المجلس، ويتم الاتفاق على الآخرين، سواء من خلال القائمة التي يجري تنسيقها، أو في القوائم الفردية أيضاً؛ لذا لا تُقدم طريقة اختيار أعضائه أي شعور للمواطن على أنه صاحب القرار أو أن صوته مؤثر»، منتقداً بذلك نظام القائمة المطلقة الذي تُجرى به الانتخابات.
ولم يشارك في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة عام 2020 سوى 14.2 في المائة من مجمل الأصوات التي كان يحق لها التصويت آنذاك.
مجلس نخبوي
في المقابل، يؤكد عضو مجلس الشيوخ الحالي عن محافظة دمياط، أحمد عبد الشافي، أهمية الدور الذي يلعبه المجلس، بصفته مجلساً نخبوياً، لديه قامات علمية كبيرة في مختلف المجالات، فهو غرفة برلمانية مسؤولة عن مناقشة ما يحال إليها من مشروعات قوانين بشكل متأنٍّ، بما يُيسر فيما بعد باقي العملية التشريعية.
ولفت إلى إعداد نواب المجلس العديد من الدراسات في مختلف المجالات، مثل التعليم والتكنولوجيا، التي تسترشد بها الحكومة أو مجلس النواب فيما بعد عند اتخاذ القرارات وإصدار التشريعات. وحول الزخم في الشارع حول الانتخابات المرتقبة، قال إنه موجود ويلتمسه بنفسه رغم أنه لن يترشح في المجلس المقبل.
ويشير الخبيران هاشم ربيع وعماد جاد إلى الأوضاع الاقتصادية بوصفها أحد الأسباب التي تقف خلف عزوف الناس عن الاهتمام بالانتخابات المرتقبة، باعتبار أن «المواطن يلهث خلف تدبير لقمة عيشه، في ظل الأزمة الاقتصادية»، ومن ثم تراجَع اهتمامه بالسياسة.
وقال جاد: «لو سألنا 100 مواطن بشكل عشوائي عن موعد انتخابات الشيوخ، أو من المرشحين فيها، أظن أن 95 منهم لن يعلموا».
وسبق أن أعلنت الهيئة العليا للانتخابات عن تطبيق ذكي باسمها، موجود على «آب ستور» و«غوغل بلاي»، يعرف كل ناخب من خلاله موقع لجنته الانتخابية، ويتيح بسهولة تغييرها تيسيراً على الناخبين.