“قسد” بين التهديد التركي والحسابات السورية

يرى مراقبون أن أنقرة تواصل ممارسة الضغوط السياسية على دمشق من أجل طي مرحلة التفاوض لتطبيق اتفاق العاشر من آذار الموقع بين رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي والانتقال نحو شن عملية ميدانية تضع الاتفاق موضع التنفيذ بالقوة العسكرية، فيما يشدد آخرون على أن دمشق تتحكم بآلية التعامل مع “قسد” وتحتفظ لنفسها بحق التحرك بشأن مواجهتها سواء على المستوى السياسي أو العسكري بعيداً عن الضغوط التي تمارسها أنقرة في هذا الشأن.

ويرى المحلل السياسي ابراهيم العلي أن أنقرة تريد أن تراكم على ما حققته من نجاح في ثني الحكومة السورية عن حضور اجتماع باريس الذي كان مقرراً في الرابع عشر من الشهر الماضي وتأجيل عقده غير مرة قبل فرض عقد الاجتماعات مع قسد في دمشق.

وفي حديثه لـ “RT” أشار العلي إلى أن مساعي أنقرة للضغط على دمشق من أجل اللجوء إلى الخيار العسكري ضد “قسد” قد تفاقمت منذ انتهاء جولة المفاوضات التي عقدت بحضور المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم براك في دمشق والتي تزامنت كذلك مع زيارة كان يقوم بها وفد الاستخبارات التركية إلى العاصمة السورية مطلع الشهر الماضي.

وأضاف بأن أنقرة لم تكتف بتحريض دمشق على بدء الهجوم بل عمدت من جانبها إلى فرض ما يشبه أمر العمليات الميداني من خلال إصدار الأوامر إلى الميليشيات المحسوبة عليها في ” الجيش الوطني” من أجل افتعال اشتباكات مع “قسد” في مناطق التماس وهو ما حصل في أكثر من مناسبة في أرياف حلب والرقة والحسكة بغية فرض الحرب على دمشق، مشيراً إلى أن الأمور كادت تسير وفق مخطط أنقرة لولا أن واشنطن كانت تتدخل للحيلولة دون الوصول إلى الصدام المفتوح بين الجانبين. الأمر الذي اضطر الجيش التركي للتدخل بنفسه من خلال الدفع بتعزيزات عسكرية إلى جبهتي جسر قرقوزاق على مقربة من منبج وتل أبيض في ريف الرقة الشمالي ليبدو الأمر وكأنه نوع من التهويل النفسي واستعراض القوة الذي تحاول تركيا من خلاله إرسال رسائل إلى “قسد” تقول بأنها على أتم الاستعداد لإسناد الجيش السوري حين يقرر خوض المعركة ضد القوات الكردية في شمال شرقي البلاد. فضلاً عن انتهاك القوات التركية غير مرة للهدنة الضمنية مع “قسد” في محيط سد تشرين على جبهة ريف حلب الشمالي الشرقي في رسائل استفزازية ساء أنقرة أن “قسد” لم ترد عليها بالمثل لتقطع عليها فرصة إشعال الجبهة.

القرار يعود لدمشق
التصعيد الميداني التركي تزامن مع تحذير وزارة الدفاع التركية من عدم التزام “قسد” بتعهداتها بشأن تسليم سلاحها والانضواء ضمن مؤسسات الدولة السورية تطبيقا لاتفاق آذار، مشيرة إلى أن ذلك ” يشكل خطراً على وحدة سوريا وتكاملها وعلى أمن تركيا القومي”، ومؤكدة في الوقت نفسه أن أنقرة “ستقدم عند الضرورة كل انواع الدعم اللازم لدمشق سواء للإسهام في استقرارها أو لضمان أمن تركيا”.
المحلل السياسي فراس خليل أكد في حديثه لموقعنا أن دمشق تنسق مع أنقرة بشأن آلية التعامل مع “قسد” لكنها تحتفظ لنفسها بحق التحرك بشأن مواجهتها سواء على المستوى السياسي أو العسكري بعيداً عن الضغوط التي تمارسها أنقرة في هذا الشأن، مشددا على أن أنقرة ودمشق بلدان حليفان تجمعهما الكثير من المصالح المشتركة لكن دمشق تبقى سيدة موقفها وهي تعلم مستوى التوغل الدولي في العلاقة مع “قسد” الأمر الذي يدفعها للتروي قبل سلوك المسار العسكري الذي قد يستخدم لاحقاً ضدها على النحو الذي جرى في الساحل السوري وفي السويداء على وجه أدق.

ولفت خليل إلى الخشية التركية من تعميم الانقسام المجتمعي السوري ودواعي التقسيم والمشاريع الانفصالية على تركيا التي تتطابق مع سوريا في المكونات العرقية والطائفية، مشيراً إلى أن هذا الأمر دق ناقوس الخطر في تركيا فأرادت أن تخضد شوكة الأكراد في سوريا قبل أن تصيب العدوى إخوة لهم في تركيا وهو مادفع وزارة الدفاع التركية إلى التهديد المباشر بالانخراط الفعلي مع دمشق في الصراع ضد “قسد”مستندة إلى الاتفاقيات الأمنية الموقعة مع سوريا وعدم الاكتفاء بالدعم اللوجستي والسياسي والمادي والإعلامي في هذا الشأن.

وأضاف بأن الخوف من العدوى السورية عم الجميع في تركيا وليس أدل على ذلك من حديث “رئيس حزب الحركة القومية” التركي دولت بهتشلي الذي يعد أقرب الحلفاء السياسيين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان حين طالب “قسد” بالالتزام الكامل بتطبيق اتفاق العاشر من آذار مع دمشق متوعدا بالتدخل العسكري المباشر “والذي سيصبح حتميا” مع الجيش السوري ضد “قسد” في حال إصرار هذه الأخيرة على موقفها الحالي الرافض للانصواء ضمن المؤسسة العسكرية السورية.

 دمشق تلتزم جانب الحذر
من جانبه يرى المحامي والمحلل السياسي الكردي أحمد طاووز أن رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع يتعرض لضغوط كبيرة جدا من أنقرة بغية دفعه للصدام العسكري مع قوات سوريا الديمقراطية في الوقت الذي باتت فيه حكومته مدركة لحقيقة أن الأمر يحتاج إلى الكثير من التروي وعدم استنساخ “الفزعات” التي أدت إلى ارتكاب المجازر في الساحل وفي السويداء والتي دفعت المجتمع الدولي لوقف اندفاعته الكبيرة نحوها ووضع سلوكياتها الحالية في ميزان النقد والتقييم مع التلويح بورقة العقوبات مجدداً.
وفي حديثه لـ ” RT” شدد طاووز على أن التجربة مع الحكومة الحالية في دمشق تقول بأنها قد تقدم على خطوات غير محسوبة لا تتفق مع مصلحتها هي نفسها على غرار ما جرى في السويداء الأمر الذي يجعل “قسد” مستعدة عسكرياً وسياسياً لمواجهة الحرب إن شنت عليها مشيراً إلى أنها تملك القدرة والخبرة والرغبة في الذود عن ” جغرافيا الأكراد التاريخية في سوريا” بشتى الوسائل القتالية متكئة على دعم دولي من واشنطن وباريس وقوى إقليمية أخرى يجدر بدمشق أن تأخذ مواقفها المعلنة من “قسد” على محمل الجد كما قال.

واضاف المحامي والمحلل السياسي الكردي بأن أنقرة تريد توريط دمشق في حرب أهلية مع سوريين أكراد تختلف معهم في السياسة لحساب المصالح التركية التي لا يهمها سفك الدم السوري ما دام ذلك يحفظ عليها هيمنتها في الداخل التركي وفي الإقليم. مشيراً إلى أن على دمشق أن تعي بأن الصراع مع “قسد” مختلف في ظروفه عما جرى في الساحل والسويداء لجهة الدعم الدولي الذي تحظى به على خلفية دورها المحوري في محاربة الإرهاب والذي نال استحسان قوات التحالف الدولي التي استمرت في التأكيد على أهمية العلاقة مع “قسد” وضرورة وجودها كرأس حربة في محاربة التطرف والإرهاب فيما عادت مجازر الساحل والسويداء لتذكر العالم بالخلفية الجهادية للحكومة السورية الحالية التي منحت الفرصة تلو الأخرى فأضاعتها على نحو عجيب وفق ما يقول المحلل السياسي الكردي.

وشدد طاووز على الدور الأمريكي الذي يبدو اليوم أقرب إلى “قسد” مما كان عليه قبل أشهر نتيجة لـ “الكوارث” التي ارتكبتها الحكومة الحالية في دمشق مشيراً إلى أن واشنطن تبدو مهتمة بتطبيق اتفاق العاشر من آذار، ولكن وفق تأويل قوات سوريا الديمقراطية له بحيث تفرض على دمشق أن تقدم تنازلات كبيرة في هذا الشأن مقابل التعهد لها بأن لا تذهب الإدارة الذاتية في شمال شرقي البلاد نحو الانفصال النهائي، وهو أمر يشير السياسي الكردي إلى أنه لم يرد يوماً في رؤية الأكراد لسوريا التي يريدونها موحدة في ظل نظام حكم فيدرالي يحفظ الحقوق القومية والثقافية والاجتماعية لكل المكونات السورية.
وختم طاووز حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أن السقف الزمني لتطبيق الاتفاق بين “قسد” ودمشق هو نهاية العام الحالي الأمر الذي قد يرحل الصدام العسكري إلى ما بعد ذلك وقد يمنع دمشق من الخوض فيه نهائياً مع وجود الدول الضامنة له وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي تحتفظ بعلاقة وثيقة مع الأكراد، وعلاقة طالما أثارت حفيظة أنقرة التي ضغطت على دمشق كي لا تكون العاصمة الفرنسية مسرحاً للتفاوض بين دمشق وقسد التي ستكون مرتاحة بشكل كبير للمكان حيث الاحتضان الفرنسي له في أعلى درجاته.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *