بغداد اليوم – بغداد
يندرج قرار منظمة أوبك+ بزيادة مستويات الإنتاج النفطي ابتداءً من شهر أكتوبر المقبل ضمن جملة المتغيرات التي تضع الاقتصاد العراقي أمام معادلة مركبة، حيث تتجاور الفرص المالية المحتملة مع مخاطر بنيوية يصعب تجاوزها من دون إصلاحات جذرية.
المختص في الشأن المالي والاقتصادي رشيد السعدي يؤكد لـ”بغداد اليوم”، أن “المخاطر لا تغيب عن المشهد، إذ أن أي زيادة في المعروض النفطي العالمي قد تضع ضغوطاً على الأسعار إذا لم يقابلها نمو مماثل في الطلب”، وهو ما يعني، بحسب محللين، أن المكاسب الورقية المتوقعة قد تتلاشى سريعاً في حال تراجعت الأسعار نتيجة اختلال التوازن بين العرض والطلب. هذا السيناريو يعيد التذكير بأن اقتصاد العراق، المعتمد على النفط لتغطية ما يزيد عن 90% من موازنته، يظل عُرضة للتقلبات الخارجية بصورة مباشرة، الأمر الذي يستدعي مرونة عالية في الإدارة الاقتصادية والالتزام الدقيق بحصة العراق الإنتاجية داخل أوبك+، لتفادي عقوبات أو اقتطاعات مستقبلية في نصيبه.
ويتوسع السعدي في الإشارة إلى البعد التشغيلي، موضحاً أن “رفع معدلات الضخ يتطلب أيضاً تكاليف تشغيل وصيانة إضافية، خاصة مع قدم بعض البنى التحتية النفطية في العراق، ما يستلزم إدارة مالية وفنية حذرة لضمان تحقيق أقصى استفادة من القرار دون تحميل الموازنة أعباء غير محسوبة”. هذا البعد التقني يعكس أن تحقيق الفائدة لا يرتبط فقط بزيادة الكمية المنتجة، بل بقدرة الدولة على إدارة منظومة إنتاج متهالكة، تُضاعف من الكلف التشغيلية وتستنزف الموارد المخصصة للتنمية.
وعلى الرغم من هذه التحفظات، يقرّ السعدي بوجود جانب إيجابي، مشيراً إلى أن “الزيادة المقررة، وإن كانت بحدود 137 ألف برميل يومياً، إلا أنها تمثل فرصة لتعزيز الإيرادات الحكومية في ظل استقرار نسبي لأسعار النفط العالمية”. وتُعد هذه الزيادة، وفق مختصين، متنفساً مالياً قد يساهم في تمويل مشاريع البنية التحتية وسد العجز المالي، في ظل الحاجة الملحة إلى استثمارات واسعة في قطاعي الطاقة والخدمات الأساسية.
كما يشير السعدي إلى أن “قرار منظمة أوبك+ القاضي بزيادة الإنتاج النفطي بدءاً من شهر أكتوبر المقبل، يحمل انعكاسات مالية واقتصادية بالغة الأهمية بالنسبة للعراق”، غير أن هذه الأهمية تظل مرهونة بكيفية إدارة العوائد. فإذا جرى توجيهها إلى مشاريع تنموية وخفض الدين العام، فإن القرار يمكن أن يشكل، بحسب تقديراته، نقطة دعم مهمة للاقتصاد الوطني ويعزز الاستقرار المالي على المدى المتوسط.
منذ انضمام العراق إلى منظمة أوبك عام 1960، ظل ملف الالتزام بالحصص الإنتاجية مصدر توتر متكرر. ففي سبعينيات القرن الماضي مثّل النفط ورقة سياسية بامتياز، ثم جاءت العقوبات الدولية في التسعينيات لتُكبّل قدرته على الالتزام بأي معايير إنتاجية. أما بعد 2003، فقد أدى انهيار مؤسسات الدولة إلى حالة من الانفلات في السياسات النفطية، ما جعل العراق عرضة لاتهامات متكررة بعدم الانضباط داخل المنظمة. ومع تأسيس تحالف “أوبك+” عام 2016، وجد العراق نفسه أمام ضغط مزدوج: الحاجة الماسة لزيادة الإيرادات لتغطية التزامات مالية متضخمة من جهة، وضرورة الالتزام بالاتفاقيات الدولية للحفاظ على موقعه داخل السوق من جهة أخرى.
هذه الخلفية تعكس هشاشة الموقف العراقي؛ فهو يملك ثاني أكبر احتياطي نفطي في أوبك بعد السعودية، لكنه غالباً ما يُصنّف بين الدول الأقل التزاماً بحصص التخفيض أو التثبيت. ومن هنا فإن أي زيادة جديدة، مثل قرار أكتوبر المقبل، قد تُقرأ كفرصة لتعزيز الإيرادات لكنها في الوقت نفسه اختبار لمدى قدرة بغداد على إدارة التوازن بين حاجتها المالية والقيود التنظيمية المفروضة عليها من قبل المنظمة.
يتضح من مجموع هذه المعطيات أن قرار أوبك+ بزيادة الإنتاج لا يمثل مكسباً خالصاً، بل تحدياً مضاعفاً للاقتصاد العراقي. فالفرص المالية الناتجة عن الزيادة مرهونة باستقرار الأسعار وحسن إدارة العوائد، بينما المخاطر تظل كامنة في تقلبات السوق وتكاليف التشغيل وضعف البنية التحتية. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر مرتبطاً بطبيعة الاقتصاد الريعي ذاته، إذ إن أي زيادة في الإنتاج، من دون تنويع حقيقي في مصادر الدخل، ستبقى مجرد استراحة مؤقتة داخل أزمة بنيوية ممتدة.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات