خطوة على طريق إطلاق “جني” من قمقمه!


علماء الفيزياء في الربع الأول من القرن العشرين كانوا يعرفون أن الذرة تحتوي على نواة كثيفة موجبة الشحنة تتكون من البروتونات والنيوترونات. النيوترون كان اكتشف للتو بواسطة الفيزيائي جيمس تشادويك في عام 1932.

في تلك الفترة كان إرنست رذرفورد، العالم الفيزيائي البريطاني الذي يعرف باسم “أبو الفيزياء النووية”، قد تمكن من “شطر” الذرة في عام 1917 عن طريق ضرب نوى النيتروجين بجزيئات ألفا وتحويلها إلى أكسجين. كان ذلك تفاعلا نوويا، لكنه تطلب مصدر طاقة أكبر من المستخدم.

كان الرأي السائد وقتها وكان يتبناه كبار العلماء مثل رذرفورد يقول إن محاولة تسخير طاقة الذرة ما هي إلا “ثرثرة”، وهو أمر مستحيل وغير عملي.

حل مشكلة نووية معقدة ظهر فجأة على قارعة الطريق في لندن، حين كان يعيش العالم الفيزيائي الأمريكي من أصول مجرية ليو زيلارد بعد فراره من برلين خوفا من النازيين.

صبيحة 12 سبتمبر 1933، قرأ زيلارد تقريرا في صحيفة تايمز عن محاضرة للعالم إرنست رذرفورد، كرر خلالها شكوكه ورفضه فكرة استخدام الطاقة المستمدة من الذرات وتأكيده أنها مجرد خيال.

قرر العودة إلى منزله مشيا على الأقدام بعد أن أحس بانزعاج من موقف زميله رذرفورد.

في حي “بلومزبري” المزدحم بلندن، فيما كان يقف أمام إشارة ضوئية في انتظار الضوء الأخضر لعبور الطريق إلى الجهة الأخرى، ومضت فكرة جديدة في ذهنه. أدرك أن مشكلة التفاعلات النووية السابقة تكمن في “القذيفة”!

في وقت لاحق روى العالم ما جرى قائلا: “كنت أنتظر أن يتغير الضوء وحين تغير الضوء إلى الأخضر وعبرت الشارع، خطر لي فجأة أنه إذا تمكنا من العثور على عنصر ينقسم بواسطة النيوترونات والذي سيصدر اثنين من النيوترونات حين يمتص نيوترونا واحدا، فإن مثل هذا العنصر، إذا تم تجميعه في كتلة كبيرة بما فيه الكفاية، يمكن أن يحافظ على تفاعل نووي متسلسل”.

التفاعل النووي المتسلل يحدث حين يصطدم النيوترون بذرة واحدة ويتسبب في انشطارها. هذا التفاعل يطلق اثنين أو أكثر من النيوترونات الجديدة. هذه النيترونات الجديدة تستمر في ضرب ذرتين أخريين وتطلق أربعة نيوترونات ثم ثمانية ثم ستة عشر وهكذا بلا نهاية في سلسلة متنامية ومتضاعفة.

أدرك زيلارد على الفور أن هذه العملية لن تنجح إلا إذا توفرت كتلة مادة محددة بما يكفي لمنع النيوترونات من الهرب دون الاصطدام بنواة أخرى. وصف ذلك بأنه “كتلة كبيرة بما يكفي”. هذا المفهوم سُمي لاحقا “الكتلة الحرجة”.

بلغت شدة اقتناعه باكتشافه العلمي أنه سعى في عام 1934 إلى تسجيل براءة اختراع لمفهوم التفاعل المتسلسل القائم على النيوترون.

بقيت حلقة مفقودة واحدة وتتمثل في تحديد “المادة المتفاعلة” مع السلسلة. جرّب زيلارد عنصري البريليوم والإنديوم، لكنهما لم ينجحا.

بعد خمس سنوات، أجري العالم أوتو هان وفريتز ستراسمان في ديسمبر 1938 تجربة قذف خلالها اليورانيوم بالنيوترونات، واكتشف أن ذرة اليورانيوم انشطرت إلى عناصر أخف في عملية سُميت “الانشطار النووي”.

حين تناهت إليه هذه الأنباء أوائل عام 1939، أدرك زيلارد أن اليورانيوم هو العنصر الذي كان يبحث عنه.  سارع مع العالم فردريك كوري إلى إجراء تجارب تثبت أن الانشطار “أطلق” نيوترونات عديدة في كل انقسام ما يؤكد فرضيته عام 1933 التي لمعت في ذهنه فجأة وهو يقف أمام الإشارة الضوئية.  

المصدر: RT



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *