وشهدت الأيام الأخيرة سيلا من العناوين الصحفية قبيل نشر المذكرات التي صدرت بعد وفاة ضحية إبستين الشهيرة فيرجينيا جيوفري، بعنوان “Nobody’s Girl” (فتاةُ لا أحد).
وكان من المفترض أن تأمل العائلة المالكة أن يضع قرار أندرو يوم الجمعة الماضي بالتخلي عن استخدام ألقابه وأوسمته الملكية نهاية لهذه الملحمة. لكن هذا لم يحدث.
أندرو، شقيق الملك تشارلز الثالث، الذي كان يوما ما “بطل حرب” موشحا بالأوسمة، أُلقي به في عزلة ملكية، بل وحتى لم يُدعَ لقضاء عيد الميلاد مع عائلته في ساندرينغهام، وفق ما نقلت “سي إن إن” عن مصدر ملكي.
ويُصر أندرو على أنه لم يلتقِ قط جيوفري التي اتهمت الأمير بالاعتداء الجنسي عليها عندما كانت مراهقة، ولطالما نفى جميع التهم الموجهة إليه بارتكاب أي مخالفات. ويقول النقاد إن العائلة المالكة والحكومة البريطانية بحاجة إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات لمحاسبة الأمير الذي ساءت سمعته.
يشار إلى أن جيوفري تُوفيت منتحرة في أبريل عن عمر يناهز 41 عاما، فيما أثار موتها موجة من التكهنات ونظريات المؤامرة.
ما مدى قرب الأمير أندرو من إبستين؟
كان الأمير أندرو أحد الشخصيات البارزة العديدة التي ارتبطت بإبستين. وذكر أندرو إن الاثنين تعارفا عن طريق غيسلين ماكسويل، التي كانت عشيقة إبستين آنذاك، في عام 1999. وأفاد لاحقا بأنهما التقيا “بشكل غير متكرر”، مضيفا أن لقاءاتهما كانت “على الأرجح لا تزيد عن مرة أو مرتين في السنة”.
كما اعترف بإقامته في العديد من العقارات التابعة للممول الذي ساءت سمعته، والذي وُجد ميتا في زنزانته بسجن نيويورك عام 2019 بينما كان ينتظر المحاكمة بتهم فيدرالية تتعلق بالاتجار بالجنس.
من المعروف أن أندرو حضر فعالية لجمع التبرعات في نادي “مار إيه لاغو” التابع لـ دونالد ترامب (الرئيس الأمريكي الحالي) في فلوريدا عام 2000، وكانت ماكسويل حاضرة أيضا، وفقا لصور نشرتها صحيفة “بالم بيتش بوست” في ذلك الوقت.
وبعد أشهر، اختلط إبستين وماكسويل مع أفراد العائلة المالكة في حفل أقيم في قصر وندسور استضافته الملكة إليزابيث الثانية بمناسبة عيد ميلاد أندرو الأربعين، وعيد ميلاد الأميرة آن الخمسين، وعيد ميلاد الملكة الأم المئة، وعيد ميلاد الأميرة مارغريت السبعين. ودعا أندرو “الزوجين” لاحقا للعودة إلى وندسور عام 2006 لحضور حفل باذخ بمناسبة عيد ميلاد ابنته الأميرة بياتريس الثامن عشر، وفقا لصحيفة “ذا صن أون صنداي” البريطانية.
وفي عام 2008، أقر إبستين بالذنب في تهمتي دعارة على مستوى الولاية وتم تسجيله كمجرم جنس في صفقة سمحت له بتجنب التهم الفيدرالية.
متى قطع أندرو علاقاته مع إبستين؟
أثارت هذه الصداقة الطويلة تساؤلات مستمرة حول حُكم أندرو، نظرا لمكانته آنذاك كفرد في العائلة المالكة، وهو وضع تخلى عنه في عام 2019.
وفي كتابها، تُفصّل جيوفري ثلاث مناسبات قالت فيها إنها مارست الجنس مع الأمير – في لندن ونيويورك وفي جزيرة إبستين الكاريبية “ليتل سانت جيمس”.
وأكدت أن أندرو كان يدرك تماما أنها كانت قاصرا في الولايات المتحدة عندما تم تعريفه عليها، وأن إبستين أعطاها 15 ألف دولار “مقابل خدمة الرجل الذي أطلق عليه الإعلام اسم “راندي آندي”.
كما كررت ادعاء من ضمن إفادة خطية عام 2015 بأن اللقاء الثالث كان “حفلة جنس جماعي” في جزيرة إبستين مع الممول و”حوالي ثماني فتيات أخريات” كنّ “يُظهرن أنهن تحت سن 18 عاما ولم يكنّ يتحدثن الإنجليزية في الواقع”.

وتوصل أندرو إلى تسوية خارج المحكمة مع جيوفري في عام 2022 بعد أن رفعت دعوى مدنية ضده في نيويورك. وبينما لم يعترف بالخطأ، أقر أندرو بمعاناة جيوفري كضحية للاتجار بالجنس.
ولطالما نفى الأمير جميع الاتهامات الموجهة إليه وأصر على أنه لم يشهد أو يشتبه مطلقا في أي من السلوكيات التي اتُهم بها إبستين. وفي مقابلة هي مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) عام 2019، أوضح أندرو إنه قطع جميع علاقاته مع إبستين في عام 2010.
ومع ذلك، شككت رسالة بريد إلكتروني وردت مؤخرا تعود لعام 2011 في هذا الادعاء. وفي وقت سابق من هذا الشهر، ذكرت صحيفتا “ذا ميل أون صنداي” و”ذا صن أون صنداي” أن أندرو بدا وكأنه يتواصل مع إبستين مرة أخرى، طالبا منه “البقاء على اتصال وثيق” وأنهما “معا في هذا الأمر”. لم يرد أندرو على هذه التقارير، وتواصلت شبكة CNN لطلب التعليق.
في غضون ذلك، قالت شرطة العاصمة لندن إنها “تدرس بجدية” تقريراً لصحيفة “ذا ميل أون صنداي” مفاده أن أندرو طلب في عام 2011 من ضابط شرطة مُكلف بحمايته البحث عن معلومات تضر بسمعة جيوفري. وقال مصدر ملكي لشبكة “CNN” يوم الاثنين إنه يجب “فحص هذا الادعاء بالطريقة المناسبة”.
ماذا عرفت العائلة المالكة ومتى؟
لا يزال من غير الواضح ما الذي عرفته العائلة المالكة، أو غيرهم من أفراد البلاط الملكي، عن مدى علاقة أندرو بإبستين، ومتى علموا بذلك.
أُجريت مقابلة “بي بي سي” عام 2019 في قصر باكنغهام، لكن عمق معرفة البلاط بصداقته مع إبستين غير مؤكد.
من المؤكد أن موظفيه وحرسه الأمني كانوا على دراية بتحركاته في الوقت الذي ارتبط فيه بإبستين. لكن العائلة المالكة لم تعلق علناً على أي من ذلك.
لماذا لم يُجرد أندرو من ألقابه بالكامل؟
وضع سلوك أندرو الملك تشارلز في موقف صعب: إما نفي شقيقه بشكل فعال كمنبوذ ملكي أو السماح للتدفق المستمر للعناوين السلبية بأن يُعرض سمعة المؤسسة الملكية لمزيد من الضرر.
كان أندرو قد تنحى بالفعل عن واجباته كعضو بارز في الأسرة الملكية في عام 2019، وتم تجريده من ألقابه العسكرية ورعايته الخيرية من قبل الملكة الراحلة في عام 2022. لكن من الواضح أن القصر شعر بوجوب فعل المزيد لوقف تدفق العناوين المثيرة للجدل الذي يبدو مسلسلا أسبوعيا.
لذا، أعلن أندرو يوم الجمعة أنه سيتوقف عن استخدام لقب دوق يورك بالإضافة إلى تخليه عن الألقاب والأوسمة الأخرى التي مُنحت له من قبل العائلة المالكة على مر السنين. (كان يُعرف أيضا بلقب إيرل إنفيرنيس وبارون كيليليغ، وفارس الصليب الأعظم من النظام الملكي الفيكتوري وفارس رفيق من أسمى فرسان الرباط).
وبين أندرو أن القرار اتُخذ بالتشاور مع الملك تشارلز، وكذلك أعضاء آخرين في العائلة، لأن “الاتهامات المستمرة” كانت تصرف الانتباه عن عمل العائلة. وأضاف: “لقد قررت، كما فعلت دائماً، أن أضع واجبي تجاه عائلتي وبلدي أولا”.

وهنا تكمن المشكلة – فإبقاؤها “ضمن العائلة” يعني أنه لم يتخلَ عن الألقاب؛ لقد تخلى فقط عن استخدامها، وبالتالي من الناحية الفنية لا يزال يحتفظ بها جميعها.
مُنح أندرو لقب دوق، وهو أعلى مرتبة في نظام النبالة الوراثية البريطاني، عندما تزوج زوجته السابقة سارة فيرغسون عام 1986. ويتطلب سحب اللقب قانونا صادرا عن البرلمان، وهو عملية طويلة الأمد.
لكن النقاد، بمن فيهم شقيق جيوفري، يقولون إنه يجب أن تكون هناك مساءلة أكبر. وبينما كان أندرو يُعرف رسميا باسم دوق يورك، فهو ليس لقبا مألوفا للكثيرين خارج المملكة المتحدة، وفي نهاية المطاف، فإن لقب الأمير هو الوحيد الذي يهم.
أصبح أندرو أميرا تلقائيا عند ولادته، كونه ابن العاهل الحاكم آنذاك، ولا يمكن تغيير هذا الوضع إلا إذا أصدر الملك تشارلز توجيهاً يُعرف باسم “خطاب براءة تمليك” (Letters Patent).
كما يظل أندرو الثامن في ترتيب ولاية العرش البريطاني، ولكن يمكن إزالته عبر تشريع. ومع ذلك، فإن القيام بذلك يتطلب موافقة دول الكومنولث حول العالم، الأمر الذي سيستغرق وقتاً. كانت آخر مرة استُخدم فيها هذا البروتوكول عندما تنازل الملك إدوارد الثامن عن العرش في عام 1936.
هل هناك فضائح أخرى تتعلق بأندرو؟
واجه الأمير أندرو أيضا تساؤلات غاضبة حول صفقاته التجارية مع الصين واتصالاته بـ”جاسوس صيني” مزعوم.
هل يمكن أن تتدخل الحكومة البريطانية؟
ليست المؤسسة الملكية البريطانية وحدها التي تواجه اتهامات بالتقاعس. يضغط الكثيرون على الحكومة البريطانية لمعرفة سبب عدم تحركها لمعالجة المشكلة المستمرة المتمثلة في ما يجب فعله بشأن أندرو.
وصل هذا الأمر إلى ذروته يوم الثلاثاء عندما قدم الحزب الوطني الاسكتلندي (SNP) اقتراحا يدعو “الحكومة لاتخاذ خطوات تشريعية لإزالة الدوقية الممنوحة للأمير أندرو”.
وكشف استطلاع جديد للرأي أجرته مؤسسة “YouGov” ونُشر في اليوم نفسه أن أربعة من كل خمسة بريطانيين يؤيدون تجريد أندرو رسمياً من لقب دوقيته.
وردا على تحرك الحزب الوطني الاسكتلندي، قال “داونينغ ستريت” إن الأمر يرجع إلى رئيس مجلس العموم وكرر أنه “يدعم قرار العائلة المالكة في هذا الشأن حتى الآن، وقد أكد الأمير أندرو بالفعل أنه لن يستخدم ألقابه”.
وأوضح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يوم الأربعاء أنه يؤيد “التدقيق المناسب” لجميع ممتلكات التاج، رداً على دعوات إجراء تحقيق برلماني.
لكن المتحدث باسم “داونينغ ستريت” صرح لاحقا بأنه لن يتم تخصيص وقت للنواب في مجلس العموم لمناقشة سلوك الأمير أندرو لأن “العائلة المالكة لن ترغب في أخذ وقت من قضايا مهمة أخرى” في البرلمان.
جدير بالذكر أن جيفري إبستين كان ممولا أميركيا ومتورطا في شبكة استغلال جنسي للأطفال، وقد اعتقل عام 2019 بتهم الاتجار بالجنس واستغلال القاصرات. توفي في زنزانته بسجن مانهاتن في أغسطس من نفس العام، وأعلنت السلطات أنه انتحر، لكن موته أثار الجدل والنظريات حول الوفاة الغامضة بسبب علاقاته الواسعة مع شخصيات نافذة ومخاوف من احتمال التستر على معلومات حساسة.
المصدر: “سي إن إن”