بغداد اليوم – بغداد
أكد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، اليوم الخميس (9 تشرين الأول 2025)، أن الفصائل المسلحة التي كانت فاعلا محوريا في المشهد العراقي خلال السنوات الماضية، تراجعت عن الواجهة الميدانية لتتحول إلى لاعب سياسي واقتصادي من خلف الكواليس، في تحول يعكس إعادة تموضع محسوبة داخل منظومة السلطة.
وقال فيصل في حديثٍ لـ”بغداد اليوم”، إن “العراق يشهد تحولا لافتا في سلوك الفصائل المسلحة التي برزت بعد عام 2003 وبلغت ذروتها خلال الحرب ضد تنظيم داعش بين عامي 2014 و2017، إذ تخلت عن حضورها العسكري الصاخب لصالح نفوذ متزايد داخل مؤسسات الدولة الإدارية والأمنية”.
وأوضح أن “هذا التحول جاء نتيجة ضغوط دولية وإقليمية متصاعدة، لاسيما من الولايات المتحدة ودول التحالف، ما دفع الحكومة إلى تقييد أنشطة الفصائل ومنع تحركاتها الميدانية العلنية”، مشيرا إلى أن “تفاهمات داخل الإطار التنسيقي أسهمت أيضاً في توزيع مراكز النفوذ وتهدئة التوترات بين القوى الشيعية المسلحة، حفاظا على التوازن الداخلي”.
وأضاف فيصل أن “الفصائل أدركت أن الانخراط في العمل السياسي والاقتصادي يوفر شرعية بديلة عن السلاح ويمنح موارد مالية ونفوذا مؤسسيا أكثر أمانا، لذا باتت تمارس سلطتها عبر الوزارات والمناصب الحكومية والمنافذ الحدودية وشبكات المقاولات، بينما احتفظت بهياكلها المسلحة كقوة احتياط استراتيجية”.
وبيّن أن “هذا التراجع لا يعني نهاية خطر الفصائل، بل يمثل إعادة تموضع تكتيكية تتيح لها التأثير دون صدام مباشر مع الدولة أو القوى الخارجية، في مشهد يعكس تكيفا مع المرحلة أكثر من كونه قطيعة مع الماضي”.
وختم مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية بالقول إن “اختفاء الفصائل من الساحات ليس انسحابا، بل تحول نوعي من المواجهة إلى الإدارة غير المعلنة للسلطة، ما يجعل مستقبل العلاقة بين الدولة وتلك القوى مرهونا بقدرة الحكومة على فرض احتكارها للسلاح ومنع تمدد النفوذ غير الرسمي داخل مؤسساتها”، مشيرا إلى أن “العراق يقف اليوم أمام سباق حاسم بين مشروع الدولة المدنية ومشروع الدولة العميقة الثيوقراطية، في ظل تحولات إقليمية تضغط لتفكيك منظومات السلاح”.
ويرى محللون، أن تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة بعد عملية “طوفان الأقصى” وانعكاساته على العراق، جعل كثيرا من الفصائل تتجه إلى خفض التصعيد وتجنب المواجهة المباشرة، مع تعزيز حضورها في الاقتصاد والسياسة والإدارة العامة.
هذا المشهد الجديد يعكس، بحسب المراقبين، تبدل أدوات السيطرة والنفوذ من المواجهة العسكرية إلى العمل من داخل مؤسسات الدولة.