العراق أول المتأثرين.. ارتدادات العقوبات على روسيا تهز حقول إقليم كردستان ومشاريع البصرة » وكالة بغداد اليوم الاخبارية


بغداد اليوم – بغداد

حين أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، الأربعاء (22 تشرين الأول 2025)، فرض عقوبات وُصفت بأنها “الأقوى في تاريخ العلاقات بين واشنطن وموسكو”، لم يكن وقع القرار مقصورًا على الجغرافيا الروسية وحدها. فالعقوبات التي شملت شركتي “لوك أويل” و”روسنفت”– عملاقتي النفط الروسيتين – ارتطمت بحلقة أوسع من المصالح المشتركة، تتجاوز خطوط الإنتاج والنقل إلى شبكات التمويل والتعاون التقني في دول مثل العراق، حيث تتواجد استثمارات روسية كبرى.

تتضح ملامح هذا التأثير عبر تشابكٍ مالي وتشغيلي معقّد، إذ تعمل شركة لوك أويل في حقل غرب القرنة الثاني بمحافظة البصرة، ضمن أحد أكبر المشاريع الاستراتيجية لإنتاج النفط في البلاد، في حين تمتلك روسنفت مصالح بارزة في خطوط نقل النفط والغاز بإقليم كردستان. لذلك، فإن تجميد التعاملات المالية والتحويلات البنكية أو فرض قيود على التكنولوجيا والخدمات الداعمة لتلك المشاريع لا يمكن أن يمر دون أثر مباشر على الاقتصاد العراقي، الذي يعتمد على الشركاء الدوليين لتطوير حقوله وتعظيم إنتاجه.

يقول الخبير في الشؤون الاقتصادية أحمد التميمي لـ”بغداد اليوم”، إن “العقوبات الأمريكية الأخيرة تمثل تحولاً استراتيجيًا في بنية سوق الطاقة العالمي، وقد تكون لها تداعيات مباشرة وغير مباشرة على قطاع النفط العراقي”. ويوضح أن العراق “يتعامل مع شركات تمتلك رأس مال روسي ضخم، وتخضع الآن لمراقبة مالية دولية دقيقة، ما يعني أن أي تأخير في التحويلات أو التمويل أو النقل التكنولوجي سيؤدي إلى تباطؤ في تنفيذ المشاريع الجارية، لا سيما في الجنوب”.

التحليل الاقتصادي لا ينفصل هنا عن البعد السياسي، إذ يجد العراق نفسه أمام معادلة حساسة: الحفاظ على استمرار الإنتاج وضمان استقرار السوق المحلي من جهة، وتجنّب الدخول في دائرة المخاطر القانونية الناتجة عن التعامل مع جهات مدرجة على قوائم العقوبات من جهة أخرى. هذه المعضلة قد تجبر الحكومة على إعادة صياغة عقود التعاون مع بعض الشركات الروسية، أو حتى البحث عن شركاء بديلين من دول آسيوية أو أوروبية أقل حساسية تجاه النظام المالي الأمريكي.

تُعد حصة «لوك أويل» في غرب القرنة 2 إحدى الركائز الأساسية للإنتاج الوطني، بطاقة تتجاوز 400 ألف برميل يوميًا. أي تعطّل جزئي في سلاسل التمويل أو توريد المعدات سيؤثر على معدلات الاستخراج والإيرادات العامة، خصوصًا أن المشروع يُدار وفق شراكة تقنية ومالية تعتمد على بنوك غربية وآسيوية تخشى مخالفة لوائح وزارة الخزانة الأمريكية.

أما في إقليم كردستان، فإن «روسنفت» تُمثل شريانًا رئيسيًا في شبكة تصدير النفط عبر الأراضي التركية. ومع استمرار التوتر بين بغداد وأربيل بشأن إدارة العائدات، فإن دخول هذه الشركة في دائرة العقوبات يزيد المشهد تعقيدًا، لأنه يهدد بتقليص حجم التدفقات النفطية التي يعتمد عليها الإقليم في تمويل رواتب موظفيه وتغطية التزاماته.

يرى اقتصاديون أن أمام العراق مسارين محتملين: إما التكيّف مع العقوبات من خلال فتح قنوات تفاهم مالية جديدة بعيدًا عن النظام الأمريكي، وهو خيار صعب بسبب حساسية التعاملات النفطية، أو استغلال الأزمة كفرصة تفاوضية لتحسين شروط التعاقد مع الشركات الروسية، أو حتى دعوة شركاء آخرين للمشاركة في إدارة الحقول. كلا الخيارين يتطلبان قراءة دقيقة للتوازن بين المكاسب الاقتصادية والمخاطر الدبلوماسية، خاصة وأن العراق يطمح لتوسيع إنتاجه إلى أكثر من 6 ملايين برميل يوميًا خلال السنوات المقبلة، وهو هدف يتطلب استقرارًا في الاستثمارات الأجنبية أكثر مما يحتاج إلى مغامرات سياسية.

يشير التميمي في هذا السياق إلى أن “الحكومة قد تجد نفسها أمام تحدٍ مزدوج، يتمثل في حماية مشاريعها الاستراتيجية من التعطل، وتجنّب أي تورط مالي قد يُعرّضها لعقوبات ثانوية”، مضيفًا أن “التعامل بحذر استراتيجي أصبح ضرورة وطنية، وليس خيارًا إداريًا”.

على المدى القصير، من المرجح أن تسعى وزارة النفط لتفعيل خطط الطوارئ الخاصة بالتوريد والمناولة، وتكليف شركات وطنية بإدارة بعض العمليات التي كانت تحت إشراف الشركات الروسية، ريثما تتضح حدود العقوبات ومدى شمولها للأنشطة داخل العراق. غير أن المدى البعيد قد يحمل فرصة غير متوقعة: إعادة تعريف علاقات العراق مع الشركاء الدوليين على أساس المصالح المتبادلة، لا على موازين القوى التي تتحكم بها العقوبات أو التحالفات.

يرى اقتصاديون، أن الاقتصاد العراقي، الذي ظل مرهونًا بأسعار النفط وتوازنات الخارج، يقف الآن أمام اختبار جديد يُظهر مدى قدرته على المناورة دون أن يخسر شركاءه أو يتورط في مواجهات غير محسوبة. العقوبات على روسيا قد لا تكون موجهة للعراق، لكنها تسلّط الضوء مجددًا على هشاشة موقعه في معادلة الطاقة الدولية، وتذكّره بأن الاعتماد المفرط على شركاء محدودين قد يتحول في لحظة إلى مصدر خطر بدل أن يكون ضمانة استقرار.

المصدر: قسم الرصد والمتابعة في “بغداد اليوم”



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *